الثروه المعلوماتيه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لا شك أننا ما زلنا نعيش مسلسل تجليات العصر الجديد وما يحيط به من هالة
التأثيرات الحياتية والاجتماعية الضارة منها والنافعة، ولا شك أن زيادة
مستوى الثقافة عند الفرد داخل المجتمع المتقدم من شأنه أن يزيد من انغماسه
فيما يقتضيه العصر الجديد من إيجابيات وسلبيات، بل إن ثقافة الفرد ومدى
اطلاعه قد تسبب له مشكلات لم يكن ليتعرض لها لولا تلك الثقافة، مما يعني
أيضا أن للثقافة مضارها بجانب منافعها.
ومن جهة أخرى فإن مسألة المعلومات وإتاحتها لمعظم فئات المجتمع سواء
المثقف الواعي أو الشخص السطحي غير المتعلم قد تكون هي المشكلة بعينها إذ
ان كثيراً ما تصل هذه المعلومات إلى أناس يقومون بفهمها بطريقة خاطئة
تقودهم للتصرف بشكل خاطئ قد يلحق بهم الضرر في كثير من الأحيان.
وسواس المعلومات
من هذه المشكلات التي قد تواجه المشتغلين بالمعلومات أو لنقل أنصار عصر
المعلوماتية ذلك المرض الذي بدأ ينتشر بين كثير من الأشخاص في العالم لا
سيما العالم الغربي، هذا المرض النفسي هو أحد أنواع الوسواس الذي يصيب
الأشخاص نتيجة لتخوفهم الشديد من شيء ما أو القلق على أنفسهم بشكل عام،
والغريب أن هذا المرض يعرفه الكثير من الأشخاص المرضى منهم قبل الأطباء
النفسيين ومع ذلك فإنه يصيب الفرد دون أن يدرك إلا حين يستعصي الحال وقد
يدرك الفرد ذلك فقط عندما تصل به الحالة لأن يعرض نفسه على طبيب مختص.
ومن أنواع الوسواس المعروفة هو ذلك النوع الذي يدخل في عقل الفرد.. إحساس
بأنه مصاب بمرض معين أو حتى عدة أمراض في وقت واحد إلى أن تسيطر عليه هذه
الفكرة بالكامل، والطريف أن هذاالنوع من الأمراض النفسية كان يصيب في أكثر
الأحيان طلاب وطالبات الطب خاصة في سنوات دراستهم الأولى، حتى ان الأطباء
النفسيين أطلقوا على هذه الحالة اسم مرض «طلبة الطب»، حيث يحدث ذلك إذا ما
أصيب أحدهم بسعال يستمر لفترة أو أحس بألم خفيف في المعدة أو لاحظ كتلة
صغيرة تحت الجلد في مكان ما في جسمه، فإذا كان المصاب بمثل هذه الأعراض
شخصا عاديا فإنه سيتجاهل ما يحسبه إلى أن يزول، ولكن إذا ما كان الشخص
طبيبا أو يدرس الطب فإن المسألة تختلف، لقد ظلت أجيال وأجيال من الأطباء
تسمي هذه الحالة «مرض طلبة الطب».
فالشبان والشابات الأصحاء الذين تخرجوا لتوهم من كليات الطب قد قرأوا عن
أمراض مرعبة يمكن أن تبدأ بأعراض بسيطة تشبه ما نعانيه جميعا من آلام
وأوجاع عادية، وسرعان ما يبدأون في التفكير: هل لدي إحدى هذه الحالات؟.
عادة ما يشعر طالب الطب أو حامل شهادته أنه قد أصبح مسلحاً بالمعرفة
الطبية التي تتزايد بسرعة، فلا يمكنه منع نفسه من القلق، السعال يمكن أن
يكون مجرد برد، لكنه أيضا يمكن أن يكون علامة دالة على سرطان الرئة، الوخز
قد يكون نزفا داخليا، والكتلة المتورمة تحت الجلد يمكن أن تكون عقدة
لمفاوية، والحقيقة أن مرض الوسواس يعتبر خطراً مهنياً للأطباء المتدربين
والممرضات وحتى المشتغلين بالصحافة الطبية، حتى ان هناك مرضاً معيناً
يعرفه الطلبة في كلية الطب وهو مرض هودجكين (نوع من أنواع سرطان الغدد
اللمفاوية)، ولأن أعراض هذا المرض لا تتعدى الشعور بالإرهاق والتعب فإن من
البديهي أن يشعر بها طالب أو طالبة الطب الذين يبذلون جهدا كبيرا في
الدراسة قد يحرمهم النوم أحيانا مما يصيبهم بالإرهاق، ومن ثم فإن طلبة
الطب يصيبهم الوهم بسرعة من أن هذه الأعراض هي حالة من حالات مرض هودجكين،
وحتى مع وجود طبيب يطمئن هؤلاء المرضى بأنه ليس هناك ما يدعو للقلق أو أن
هذه الأعراض ليس لها أساس من الصحة فإن استمرار ما يشعرون به من أعراض
تجعل هذه التطمينات تقع على آذان صماء، ولأنه لا يوجد طبيب أو إختبار
يستطيع ان يضمن 100% ان هذا الشخص ليس مصابا بأحد الأمراض الخطيرة التي
يتوهم إصابته بها فإن مريض الوسواس دائما ما يملك الوقود اللازم لتغذية
أسوأ المخاوف، ولا أقصد بهذا الاستهانة بالمرضى الذين يعتقدون أنهم مصابون
بالأمراض على هذا النحو، حيث ان مثل هذه الأمراض المتخيلة تكون غالبا
مضنية للمريض، مثلها مثل المرض الحقيقي، ولكن المقصود هو ألا نترك لأنفسنا
العنان لنتخيل إصابتنا بالأمراض دون دليل قاطع.
خلل في الرعاية الصحية
إن مرضى الوسواس لا يؤذون أنفسهم فقط؛ بل يعرقلون نظام الرعاية الصحية
الكامل، برغم ان عدد هؤلاء المرضى حوالي 6% فقط من المرضى الذين يزورون
الاطباء كل سنة، فهم يميلون إلى إرهاق أطبائهم بالزيارات المتكررة التي
تأخذ ساعات طويلة من وقت الطبيب، وطبقا لأحد التقديرات، فإن مرضى الوسواس
يتسببون في ضياع حوالي 20 بليون دولار من الموارد الطبية في الولايات
المتحدة فقط،
الوسواس عبر الإنترنت
ولنأخذ أولا مثلا حيا عن مثل هذه الحالات، فالسيدة ميليسا وييتشوفسكي
امرأة من سان دييجو تتمتع بصحة طيبة، لكنها كانت تحمل دائما هم احتمال
إصابتها بمرض ما، وتجاوز هذا الخوف كل حدوده عندما بدأت في قضاء وقت كبير
في البحث عن مواقع الإنترنت التي تتناول المسائل الصحية، وقد فسرت السيدة
وييتشوفسكي حالتها بقولها: «يبدو ان الإنترنت قد غذى مخاوفي، التي بدأت من
ملاحظتي لاعتلال في وظائف جسمي»، وفي غضون أسبوعين أقنعت تلك السيدة نفسها
بأنها مصابة بحالة تصلب متعدد multiple sclerosis وبمرض لو جيهرينج Lou
Gehrigصs disease، مع غيرهما من العديد من الأمراض الوهمية، وقالت: «كنت
اشعر باني أعاني من درجة مستعصية من هذه الأمراض، كنت مرعوبة، لم أملك إلا
ملازمة الفراش وأنا ابكي وأحتضن جهاز الكمبيوتر النقال الخاص بي»، إن
الأطباء يعاينون أعدادا متزايدة من أشباه ميليسا، ممن يعتقدون أنهم مرضى
بسبب ما قرأوه على الإنترنت، بل ان الخبراء أسموا هذا النوع من توهم المرض
«وسواس توهم المرض بسبب معلومات الإنترنت cyberchondria»، وقد فسر د.
بارسكي هذا بقوله: «الإنترنت لا يوجد بها إمكانية لإجراء حوار وتفاعل مع
شخص آخر بما يحمله مثل هذا التفاعل من طمأنة»، وانتهى أمر السيدة
وييتشوفسكي بأن طمأنها طبيب نفسي على أنها بصحة جيدة، لكن هذا تم بعد أن
أنفقت 10 آلاف دولار أمريكي على فواتير الأدوية في محاولة لعلاج حالات لم
تصبها، مما يعد درسا قاسيا يعلمنا أن الإنترنت لا تحل المشكلات فقط، بل
تخلقها أيضا، وإذا كان من الممكن أن نلتمس العذر للأطباء المتخصصين
والدارسين في إصابتهم بهذا المرض النفسي نتيجة لاطلاعهم على كم من
المعلومات في هذا المجال وقد تكون هذه المعلومات مكثفة بشكل غير مرتب أو
مقنن، فإن المسألة قد تعدت حدود المتخصصين في مجال الطب لتصل إلى الأفراد
العاديين وغير المتخصصين، حيث يكفي أن يكون المرء مستخدما للإنترنت
وبالطبع يكون عنده الاستعداد النفسي للتوهم.
المعلومات الصحية
منذ خمسين عاما مضت، كان من الصعب نسبيا على عامة الناس الحصول على
معلومات طبية تفصيلية، ولكن ازدياد معدل ظهور القصص التي تتناول الأمراض
في وسائل الإعلام ومعظم الجرائد المطبوعة والبرامج الإذاعية تغطي مثل هذه
المواضيع بشكل منتظم، وثروة المعلومات عن الرعاية الصحية والطبية تعد من
روائع الإنترنت، فبمجرد كتابة اسم أي مرض يمكنك أن تجد معلومات عن أحدث
الأبحاث التي أجريت عنه، وأعراضه، ودراسات لحالات أصيبت به، وعلاجه، كان
من المفترض أن تكون هذه الثروة المعلوماتية أمراً إيجابيا بالنسبة
للمستخدمين وعلى الأخص المتخصصين منهم والدارسين حيث تكون المعلومات متاحة
بكثافة على الشبكة لكي يطلع الدارسون على أهم وأحدث الأبحاث المطروحة في
تخصصاتهم، وهي بالفعل كذلك ولكن المشكلة هي أن هذه المعلومات تقع في أيدي
الأفراد العاديين وغير المتخصصين، وهنا يظهر لنا الجانب السلبي لهذه
المعلومات، وقد سهلت الإنترنت إصابة الناس بوسواس توهم المرض عن ذي قبل،
فالخصائص الفريدة للإنترنت وغرف الدردشة التي تتيح التواصل المتبادل بين
الناس تزيد أيضا من أثر المعلومات التي يتبادلها الناس عن تجاربهم عبر هذه
الوسائط، مما يدعم الحقيقة الطبية بشهادة الشخص صاحب التجربة نفسه، ومع
ظهور الكتب الطبية المنشورة على الإنترنت، ومع وجود ما يزيد عن 50 ألف
موقع طبي على الإنترنت، وجد الناس ثروة من المعلومات في متناول ايديهم،
لكن هذه المعلومات ليست جميعها دقيقة، والقليل منها راجعه طبيب أو أي شخص
من العاملين بالمهن الطبية.
وما يحدث بالفعل هو أن الفرد العادي وبمجرد أن يشعر ببعض الآلام الخفيفة
يبدأ بالبحث بين المواقع الصحية عن هذه الأعراض وما قد تشير إليه، ومن ثم
يتخيل الشخص أن هذه الأعراض قد تكون بسبب أحد الأمراض الخطيرة التي قرأ
عنها في أحد المواقع وبالتالي يبدأ بالتصرف على هذا الأساس، وبالطبع فإن
الحالة تسوء أكثر إذا ما كانت شخصية الفرد ميالة للتوهم أو التقاط مرض
الوسواس.
فالمرضى يستخدمون الإنترنت الآن ليعرفوا المزيد من المعلومات عن أمراضهم،
لكنهم كثيرا ما يخطئون تشخيص أعراضهم أو يعثرون بالمصادفة على علاجات
يصفها دجالون، وقد أدى هذا إلى إلى زيادة أعداد الناس الذين يقصدون عيادات
الأطباء وقد شخصوا أمراضهم سلفا بأنفسهم، ولكن الصعوبة تكمن في أن
الكثيرين يعانون من نوع بسيط من وسواس توهم المرض، ويمكن أن تضخم الإنترنت
هذه المعتقدات التي لا أساس لها من الصحة، حتى الناس الذين سبق تشخيص
حالتهم طبيا يمكن أن يصابوا بقلق لا داعي له من المضاعفات المحتملة
لحالتهم مما تعلموه من قراءاتهم على الإنترنت، من ذلك أن الأطباء الآن
يعاينون الكثير من المرضى الذين يتوقفون عن تعاطي أدوية هامة لمجرد أنهم
قرأوا على الإنترنت عن مضاعفات نادرة قد تصيب من يتعاطاها.
الأطباء.. وتلال من الورق
ومن مرضى هذا الوسواس من يقرر حالته الصحية والطريقة العلاجية بنفسه بناء
على ما تعلمه وقرأه على صفحات الإنترنت ومن بينهم أيضا من يكتفي بطبع
الكثير من التقارير التي أخذها من الشبكة ويذهب بها إلى طبيبه الخاص
ليستفسر عنها وعن موقع حالته الصحية من كل هذه الحالات التي قرأ وسمع
عنها، ويصاب الشخص في كل هذه الحالات باضطرابات في الأعصاب من فرط التوتر
والخوف مما قد يكون قد ألم به فتجد وجوههم شاحبة، وقد أضناهم الخوف، وعادة
ما يكون خوفهم هذا قائم على أسس غير رشيدة، لكن العلامة الحقيقية لحالة
توهم المرض تظهر في أيديهم البيضاء القابضة على أوراق طبعوها من على
الكمبيوتر بها ما يعتقدون أنه برهان أكيد على إصابتهم بمرض مهلك، قد يجد
المستهلكون المتعطشون للمعلومات الذين يجوبون شبكة الإنترنت للبحث عن
معلومات عما يضايقهم من المشكلات الصحية أنهم قد بدأوا بعد فترة قصيرة في
الالتفات إلى ما بهم من أعراض، بل والوصول إلى تشخيص لأمراضهم بأنفسهم،
وهنا يكمن الخطر.
يقول د. آرثر بارسكي ArthurBarsky، وهو من أهل بريجهام ويعمل في مستشفى
النساء ببوسطون: «يأتيني الناس وقد توصلوا إلى أشكال وألوان من التشخيصات
المزعومة، ومعهم شذرات من المعلومات المزعجة التي يبدو أنها لم تكن في
متناول أيديهم في الماضي».
المواقع ودجالة الإنترنت
يشير المسح الإحصائي الذي أجراه مشروع «مقعد الإنترنت والحياة الأمريكية»
إلى ان المزيد من الأمريكيين يلجأون إلى شبكة الإنترنت للحصول على معلومات
طبية أكثر مما يلجأون إليها للحصول على نتائج المباريات الرياضية، أو
الأقوال المأثورة، أو التسوق والمساومة عبر شبكة الإنترنت، لقد كثرت
المواقع الصحية على شبكة الإنترنت إلى حد دفع منظمة الصحة العالمية مؤخرا
إلى أن تقترح إضافة مقطع «الصحة» إلى أهم المقاطع القليلة المستخدمة حاليا
في تسميات مواقع الإنترنت، مثل دوت كوم «com.»، ودوت أورج «org.» التي
تساعد المستخدمين على تحديد نوعية المواقع التي تناسب اهتماماتهم.
قد يجد المستهلكون المتعطشون للمعلومات الذين يجوبون شبكة الإنترنت للبحث
عن معلومات عما يضايقهم من المشكلات الصحية أنهم قد بدأوا بعد فترة قصيرة
في الالتفات إلى ما بهم من اعراض، بل والوصول إلى تشخيص أمراضهم بأنفسهم،
وهنا يكمن الخطر، فقد أسفر بحث حديث أجراه عدد من أخصائيي أمراض الجهاز
الهضمي عن أن واحدا من كل 10 من المواقع المهتمة بأمراض الجهاز الهضمي
يحتوي على معلومات عن علاج الأمراض «لم تثبت صحتها، أو بالأحرى هي دجل
صريح»، بل إن بعض هذه المواقع تتيح للمستخدم أن يختار إجراء «تشخيص عبر
الإنترنت»، بحيث يمكن للمستهلك أن يكتب طبيعة مشكلته فيتلقى «تشخيصا لها»
بمعرفة «طبيب متخصص».
يصرح د. مارك بورتر، المحرر الطبي للباب الصحي البريطاني بجريدة سيرجري
دور Surgery Door، باعتراضه على هذا الاتجاه فيقول: «لا أعرف طبيبا محترما
يعتقد أن بإمكانه أداء واجبه المهني على أفضل وجه عن طريق إعطاء استشارات
عبر الإنترنت، ومن الخطأ أن يتظاهر الأطباء والطبيبات بقدرتهم على هذا،
وأن يتقاضوا أموالا عن قيامهم به»، كما أن الإنترنت تيسر على الدجالين
التقليديين الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور، ولكي تتاكد من هذا، ما عليك
إلا أن تدخل كلمة «العلاج المثلى، أو الهوميوباثي homeopathy» على اي أداة
بحث عن معلومات على الإنترنت، والإنترنت بالطبع تسهل أيضا على الشكاكين
وغيرهم أن يوجهوا الناس بسرعة إلى معلومات تفضح زيف مثل هذا الهراء،
فالإنترنت سلاح ذو حدين فيما يخص مثل هذا الدجل.
يوجد على شبكة الإنترنت آلاف المواقع التي تناقش المسائل الصحية، بعض هذه
المواقع يحررها مهنيون مختصون ذوو كفاءة، لكن بعضها الآخر يحرره ناس
«سمعوا» أن كذا أو كذا أمر صحيح.
تقدر الجمعية الطبية البريطانية أن 25% من مواقع المعلومات الطبية على
شبكة الإنترنت بها معلومات غير دقيقة، فقد تكون المعلومات الواردة على هذا
الموقع أو ذاك متأثرة بتحيزات شخص يأخذ موقفا معاديا للأطباء، أو شخص
يحاول بيع سلعة، أو قد يكون مجرد موقع عليه معلومات عفا عليها الزمن،
ومعظم المواقع المهتمة بالصحة مليئة «بكلام الأطباء» الذي يسهل إساءة
تفسيره بواسطة القراء الذين لا توجد لديهم خلفية من العلوم الطبية.
وهناك مشكلة أخرى، هي طريقة عرض الإن ترنت للمعلومات الصحية، فأي شخص
يمكنه وضع معلومات عن الصحة على الإنترنت، وربما كان ما يضعه مجرد أخطاء
محضة، لكن حتى لو كانت المعلومات دقيقة، فإنها تبدو مزعجة جدا حين تعرض
على الإنترنت.
وبينما يغرق هؤلاء المصابون بوسواس توهم المرض بسبب معلومات الإنترنت في
البؤس والوساوس، فإنهم يقعون ضحايا لدجالة الإنترنت، وجماعات المصالح
الحقيرة والتجار اللصوص الذين يستخدمون غرف الدردشة كمنبر ليضخموا للناس
أمراضهم الوهمية، أو هذا على الأقل ما توحي به التعليقات على تلك الظاهرة.
مشكلة الأطباء
وحيث إن الأطباء لم يعودوا يعطون مرضاهم وقتا طويلا يكفي للاستماع لهم،
وأن الإنترنت تركز على الترويج لفكرة مساعدة المريض نفسه بنفسه، يسهل أن
نرى لماذا ينقب مستخدمو الإنترنت عن المعلومات الصحية المعدة سلفا
والمتاحة على الشبكة للحصول على حلول لما لديهم من مشكلات صحية.
التأقلم مع البيئة العلاجية الجديدة
لكن د. روسكو قال إن الأطباء يجب أن يواجهوا نفس العالم الذي يعيش فيه مرضاهم، وهو عالم ذو دراية باستخدام الإنترنت.
وأضاف: «لم اعد أعتقد أننا يجب ألا نستخدم الإنترنت، بل أعتقد أن على جميع
الأطباء أن يفهموا تلك الشبكة ومزالقها، وبذا يظهرون بمظهر من يعرفون نصف
الحقائق، ويعرفون إلى أين يوجهون الناس للمشورة».
أما د. آدريان ميدجلي Adrian Midgley، فهو ممارس عام من إكستر، صرح لموقع
هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت BBC News Online بأنه يعتمد اعتمادا
كبيرا في ممارسته لمهنته على المعلومات التي يأخذها من الإنترنت.
وقال إنه لم يحدث أن ثبط همة المرضى الذين يجلبون له معلومات من على
الإنترنت، وأنهم غالبا ما يغادرون عيادته وهم يتأبطون رزما من الأوراق
التي طبع لهم فيها معلومات من على الإنترنت، كما قال: «أعتقد أن تعلم
مهارات الكمبيوتر أمر مفيد للأطباء، فلو زارني مريض به حالة معينة، أو لو
وجدت أخبارا عن مرض معين، واعتقدت أن مرضاي يهتمون بمعرفة المزيد عنه،
فسوف أضعها على موقعي بحيث يتمكن المرضى من الاطلاع عليها»، لكنه اعترف
بأن الأمر لن يخلو دائما من وجود مرضى يسيئون استخدام شبكة الإنترنت،
فقال: «إن من يفعلون هذا هم الناس الذين يأتون لنا على أية حال وهم يقولون
انهم قابلوا صديقا أو صديقة وأخبراهم بشيء ما عن الأعراض التي تظهر
عليهم».
ويقول مايك ستون، وهو أحد أعضاء اتحاد المرضى، إن المرضى يجب أن يستخدموا
مواقع شبكة الإنترنت بحذر لأنهم قد يتعلقون بآمال زائفة عن طريق هذه
المواقع.
وقد صرح بقوله: «إن الإنترنت سلاح ذو حدين، وللأسف، قد تعطي معلومات
الإنترنت لبعض المرضى أملا بعيد المنال في الشفاء، لأن بعض هذه المواقع
تقدم أدوية وعلاجات لا توجد إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن
للإنترنت حداً آخر، إذ يمكن للمرضى إن يحصلوا منها على معلومات عن
أمراضهم، المهم، أن يراعي الناس استخدام الإنترنت استخداما آمنا».
ورغم أن إنفاق الوقت في التنقيب عن مثل هذه المعلومات لا يخلو من الأخطار،
إلا أن البعض يقولون إن له مزاياه، وهناك من يعدون لحركة تهدف لوضع معايير
أخلاقية تحكم محتوى صفحات المواقع الصحية الموجودة على شبكة الإنترنت، من
ذلك أن مؤسسة سويسرية غير ربحية، وهي مؤسسة الصحة على الإنترنت أو (هيلث
أون ذا نت فاونداشن) قامت بتطوير «ميثاق شرف» يعتبر مواقع الإنترنت
المشاركة في تناول الأمور الصحية مسؤولة عن تلبية معايير أخلاقية أساسية
في تقديمها اللمعلومات، ومواقع الإنترنت التي تلتزم بميثاق الشرف الذي
وضعته منظمة (HON) تحتوي صفحاتها على شعار تلك المنظمة.
وهناك جماعة أخرى لها أهداف مثيلة، هي منظمة «تحالف الجماعات المهتمة
بتقديم الرعاية الصحية على الإنترنت»، وهي منظمة دولية محايدة غير ربحية
ملتزمة بالترويج لموارد الرعاية الصحية ذات المستوى الرفيع على شبكة
الإنترنت، وفي عام 1999م أعلنت تلك المنظمة عن «مبادرة القواعد الأخلاقية
لنشر المعلومات الصحية على الإنترنت»، وهو مشروع ما زال مستمرا بهدف إرساء
مجموعة من المبادئ الأخلاقية العالمية تلتزم بها مواقع الإنترنت ذات الصلة
بالمسائل الصحية.
إن الجهود التي تبذل لإتاحة معلومات صحية رفيعة المستوى لعامة مستخدمي
شبكة الإنترنت تستحق التحية، لكن من الواضح أن العديد من المواقع لم تشترك
بعد في الالتزام بتلك المعايير الرفيعة، وبعض الأوراق التي يضم عليها
المرضى قبضاتهم البيضاء بإحكام قد تحتوي على معلومات مأخوذة من هذه
المواقع التي هي دون المستوى، لكننا يمكن أن نتحكم إلى درجة ما في الأذى
الذي يصيب الناس من جراء معلومات تلك المواقع بأن نقترح على المرضى اتباع
قواعد بسيطة عندما يجوبون شبكة الإنترنت بحثا عن معلومات صحية، فموقع
الإنترنت الذي يتقاضى أموالا مقابل تقديم استشارة صحية يرجح أن يكون موقعا
كاذبا، ولا توجد وسيلة تضمن للمريض أن من يتصل به عبر الإنترنت طبيب
فعلاً، ولا يوجد طبيب مختص يمكنه التوصل لتشخيص أمراض الناس دون أن يراهم
أو يسمعهم وجها لوجه.
ومن المهم للمرضى أن يقصدوا مواقع الإنترنت التي تقدم معلومات صحيحة
وحديثة وليس مجرد إعلانات مدفوعة الأجر متخفية في هيئة معلومات محايدة
لصالح الشركات التي تكفل تلك المواقع، ويجب عليك أيها المستخدم أن تقرأ
الصفحة التي يعلن فيها الموقع عن سياسته لضمان سرية ما تبوح به من معلومات
عن نفسك، لضمان منع من لا حق له من الدخول على بياناتك الشخصية أو
استغلالها.
والمرضى الذين يحصلون على مثل هذه المعلومات من شبكة الإنترنت، أو على
الأقل على توجيهات بشأن تلك المعلومات بشكل مباشر من طبيبهم الذين يثقون
به يكونون أقل عرضة لزيارة المواقع المشكوك فيها، مما يؤدي إلى تناقص من
يصابون بوساوس توهم المرض بسبب إطلاعهم على صفحات الإنترنت.
جدير بالذكر أنه يجري الآن تطوير برنامج لغربلة مواقع الإنترنت لتحديد
المواقع التي تقدم معلومات موثوق بها عن بعض الأمراض والآلام التي قد تصيب
أي شخص عادي في حياته اليومية مثل اضطرابات البلع ومشكلات المريء، بحيث
يمكن للمرضى المترددين على عيادات الأطباء أن يدخلوا عليها بعد انتهاء
مقابلتهم معهم، وهذا الأمر يكون جيدا في حالة تعامل المرضي مع الأطباء في
بادئ الأمر، كما سيتاح لهم الاطلاع على قائمة بأسماء تلك المواقع في وقت
زيارتهم للعيادة، وستنشر تلك القائمة كي يدخل عليها القراء في منازلهم
باستخدام أجهزة الكمبيوترالخاصة بهم.
وأخيرا: فلتعلم أن الحصول على قائمة بأنواع من الأعراض المرضية مضيعة
للوقت، وفر هذا الوقت وأقضه مع طبيبك إذا شعرت بأنك متوعك صحيا، فيعطيك
تشخيصا، وعلاجا، بعد ذلك فكر فيما إذا كنت بحاجة للمزيد من المعلومات،
فالسعال لايزيد أحيانا عن مجرد كونه نوبة من السعال!