انثى من زمن النقاء
عدد المساهمات : 20012 نقاط الامتيـــــاز : 99164 تاريخ التسجيـل : 10/04/2009 تاريخ الميلاد : 12/06/1973 الوظيفــــــة : الهوايـــــــة : الجنسيــــــة : الدولـــــــة : المـــــــزاج : جنس العضـو : احترام قوانين المنتدى : رسالة SMS : وسائط MMS : اوسمة الامتياز :
اضافات منتديات جسر المحبة توقيت دول العالم: عداد زوار منتديات جسر المحبة:
| موضوع: كيف نتعامل مع الوضع المستجِدّ؟ الثلاثاء فبراير 22, 2011 10:09 am | |
| كيف نتعامل مع الوضع المستجِدّ؟
في الوقائع، إن وزارة الخزانة الأميركية أصدرت في العاشر من الشهر الجاري بياناً تضمَّن تصنيفاً لمصرف لبناني «كمبعث قلق في عمليات تبييض أموال مرتبطة بشبكة تجارة مخدرات». كما أصدرت بهذا الخصوص وحدة التحقق الخاصة بالحكومة الأميركية والمعروفة بالـ FINCEN والعاملة في نطاق وزارة الخزينة مذكّرة (NPRM) موجَّهة إلى المصارف والمؤسسات المالية الأميركية تنبّهها فيها الى وجوب الحذر من التعامل مع المصرف المعني في ما يخصّ حسابات المراسلة والتحاويل وما إليها من عمليات مصرفية. ولا تشكّل التهم الموجَّهة الى المصرف والمتضمَّنة في النشرة التي تحتوي على الوقائع ومذكّرة التعليمات المشار إليهما أعلاه قراراتٍ نهائيةً أو أحكاماً مبرمة لا رجعةَ عنها. وللمصرف خلال فترة شهرين أن يقدم دفوعاً لإبطال أو نفي هذه التُهم، فتُسقِط عنه وزارة الخزانة التهم المنسوبة إليه ولا يدرج عندها على لائحة الـ OFAC للمؤسسات المحظور التعامل معها أميركياً وعملياً على الصعيد الدولي. وبحسب علمنا، يجري المصرف المعني والسلطات النقدية المطلوب لناحية التدقيق الداخلي وباتّجاه الخزانة الأميركية. يستدعي هذا الحدث مجموعة من الملاحظات. بدايةً، إنها المرة الأولى في التاريخ الحديث للقطاع المصرفي اللبناني، أي منذ عام 1959 (تأسيس الجمعية) أو عام 1964 (مباشرة المصرف المركزي عمله) أو عام 1967 (إنشاء لجنة الرقابة على المصارف) أو عـام 2001 (إنشاء هيئة التحقيق الخاصة) التي يتعرّض فيها مصرف لبناني لتهم مماثلة. فالمصارف الـ 47 التي خرجت من السوق خلال العقدين الماضيين، فعلت ذلك إما لأن أصحابها قرّروا ترك العمل المصرفي أو لقرار من المصارف الأجنبية بالخروج أو لسوء إدارة أو لتعثّرٍ مرتبطٍ بسوء الأوضاع الاقتصادية أو الأمنية التي أحاطت بالنشاط المصرفي خلال فترة 1975-1990. وبذل مصرف لبنان والمصارف جهوداً كبيرة للحفاظ على سمعة القطاع. وهذه السمعة يجب أن تتأكّد اليوم من خلال مجموعة من الأفعال وليس الأقوال تتضمّن ما يأتي: أولاً، أن تُجري مصارفنا مراجعةً دقيقة وشاملة لكل قاعدة زبائنها أفراداً أو مؤسسات على ضوء معايير «إعرف عميلك» (Know your Customer)، أي لمعرفة أصحاب الحقوق الاقتصاديّين. وإذا قامت لديها أية شكوك بأحد أو بمجموعة من الزبائن أو أي اشتباه بحركة أي من حسابات الزبائن، أن تبادر إلى اتّخاذ الإجراءات المطلوبة إما بإقفال الحسابات أو بإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة. ثانياً، أن تلجأ إدارات مصارفنا إلى تخصيص أقسام التحقق (Compliance) لديها بكلّ الموارد المادية والبشرية لأداء وظيفتها على الوجه الأفضل. وأكثر من ذلك، أن تمنحَ أنظمة المصارف ومجالس إداراتها مسؤولي أجهزة التحقق الاستقلالية والحماية اللتين تخوّلان هذه الأجهزة أداء دورها بكفاءة وفعالية تتطلبهما المخاطر المحيطة بنا. وهي مخاطر عظيمة وجدّية ومتنوعة. وحماية المصارف تعلو على أي اعتبار آخر. ثالثاً، أن تقوم السلطات النقدية والرقابية، مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة، كلٌّ في نطاق صلاحيته وعمله، بمراجعة شاملة ليس فقط لقواعد ومعايير وإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بل وكذلك لحسن تطبيقها. فالعالم ينتظر منا التزام وتطبيق المعايير وليس فقط اعتمادها. الشجاعة والمسؤولية مطلوبتان اليوم أكثر من أي وقت مضى بعيداً عن الاعتبارات السياسية أو الطائفية. هذا في ما يخصّ الشق المصرفي الضيّق، أي الشق المهني والمؤسساتي، أما في ما يخصّ السلطات النقدية والمالية، فالمطلوب منها أيضاً أن تبادر إلى استكمال الإطار التشريعي والقانوني تحصيناً للبلد، وذلك من خلال التعديلات أو التشريعات الجديدة الآتية: أن يصار أولاً إلى تعديل القانون رقم 318/2001، أي قانون مكافحة تبييض الأموال بحيث تُضاف إلى الجرائم المنصوص عليها فيه جريمة التهرُّب الضريبي (Tax Evasion). وللعلم، فإن مجموعة العشرين (20G) كلَّفت منظمة التعـاون والتنميـة الاقتصاديـة (OECD) مراجعة القوانين والأنظمة والسياسات على صعيد التهرب الضريبي كمدخل إلى إعداد لوائح بيضاء ورمادية وسوداء لدول العالم. وسيزور لبنان قريباً وفد من المنظمة لهـذا الغرض. ولا بدّ من عمل شيء ما في هذا المجال يسمح بمكافحـة التهرّب الضريبـي إلـى لبنان من الخارج للإفـادة من نظـام السرّية المصرفيـة. مرةً جديـدة نحرص على التأكيد بأن السرّية المصرفية ما كانت يوماً لحماية المخالفين أو لتغطية الجرائم المالية أو لتبييض الأموال القذرة، بل لحماية أصحاب الأموال النظيفة من تعسُّف السلطات في شرقٍ تميّز معظمُ حكّامه بالاستبداد والتعدي على حريات المواطنين. أن يُصار ثانياً إلى إقرار قانون يضع ضوابط لحركة النقد الأجنبي (Cash) من وإلى لبنان بحيث يندرج ضمن المعايير المتعارف عليها في العالم، لناحية سقوف المبالغ المسموح بها وإلزامية التصريح عنها. فلم يعد جائزاً الاستمرار في الوضع القائم حالياً. ويجب أن نسارع إلى سدّ هذه الثغرة منعاً لاستغلالها من أصحاب الجرائم المنظَّمة. فالاستعمال الكثيف للنقد الأجنبي (Cash) في لبنان مؤذٍ على أصعدة عدّة. فمن جهة أولى، واجبنا الترويج لاستعمال الليرة اللبنانية. والمصارف تشجّع هذا المنحى منذ فترة عبر تعبئة أجهزة الصرّاف الآلي (ATM) بالأوراق النقدية اللبنانية أكثر منها بالدولارات. ويمكن للمصارف أن تتَّفق فيما بينها على عدم استقبال الأوراق النقدية الأجنبية على شبابيكها انطلاقاً من ضرورة تشجيع استعمال النقد الوطني وأن تتوقف نهائياً عن استلام النقد الأجنبي من الصرّافين. فكلفة ومخاطر شحن الأوراق النقدية عالية أصلاً. كما للمصارف أن تحدّ كثيراً من تعاملها مع شركات الصرافة. وأن تطبّق على تلك التي تقبل أن تتعامل معها معايير صارمة في ما يخصّ الشيكات الذاتية لهذه الشركات والشيكات العائدة لزبائن هذه الشركات وأن تصرّ على معرفة هوية أصحابها الحقيقيّين. ولا بدّ من الحؤول دون أن تشكّل بعض شركات الصرافة حلقة محورية في دورة تبييض النقد الأجنبي الورقي، علماً أن هذه الشركات خاضعة لرقابة السلطات النقدية. لقد آن الأوان لإعادة النظر الجدية في كامل دورة التعامل بالنقد الأجنبي (Cash) في لبنان، حمايةً لسمعة البلد والقطاع. وأن يصار ثالثاً وأخيراً إلى انضمام لبنان إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1999. فتحفّظ لبنان عليها لم يعد مبرراً لناحية عدم تبادل المعلومات حفاظاً على السرية المصرفية، ذلك أن إنشاء هيئة التحقيق الخاصة (SIC) بموجب القانون رقم 318/2001 يتيح التعاون مع المجتمع الدولي من خلال هيئة التحقيق الخاصة. أما موضوع الإرهاب، فالدولة اللبنانية (المجلس النيابي) لها أن تعتمد في التصديق على الاتفاقيّة المذكورة مفهوم الإرهاب كما هو منصوص عليه في القوانين اللبنانية، كما فعلت سوريا على سبيل المثال منذ سنوات. إن التعاون لإنجاز المسائل المطروحة أعلاه وللتشدد في تطبيق المعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب مطلوب بسرعة وفعالية بين السلطات النقدية والرقابية من جهة، وجمعية المصارف وإدارات المصارف من جهة ثانية. فالمهام الأساسية للسلطة النقدية بالإضافة إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي هي سلامة القطاع المصرفي والمالي بعيداً عن السياسة، بل وأحياناً خلافاً لرغبات أهل السياسة. والأهداف الأساسية لجمعية مصارف لبنان هي تقوية وحماية وتحصين القطاع المصرفي، أياً يكن الثمن أو التضحية أحياناً. فالسلطة النقدية والجمعية، أي أهل القطاع أدرى بشعابه. وفي ذلك مصلحة عليا للجميع، طوائفَ وطبقاتٍ ومناطق. أما الجهات الدولية، وعلى رأسها الحكومة الأميركية، فتعرف أن القطاع المصرفي، سلطات وإدارات مصرفية، ليست بحاجة الى مزيد من الأموال والرساميل لتشجّع اجتذابها من دون التأكّد من مصادرها النظيفة والمشروعة. فلدى القطاع سيولة تفوق 46 في المئة من ودائعه بالعملات الأجنبية ترتّب عليه سنوياً ربحاً فائتاً يقارب 600 مليون دولار يمثل الفارق بين كلفة هذه الودائع ومردودها. الأموال في القطاع هي مدَّخرات اللبنانييّن المقيمين وغير المقيمين، وقد جنوها بعرق جبينهم. ونحن حريصون عليها ولن ندع العملة السيّئة تطرد العملة الجيدة، كما يقول المثل الفرنسـي (La mauvaise monnaie chasse la bonne). هذا هو الموقف الذي عبّرَت عنه الجمعية ولا نخاله إلاّ موقف السلطات وموقف كلّ حريص على استقرار لبنان ومستقبله.
بقلم مكرم صادر
| |
|