انثى من زمن النقاء
عدد المساهمات : 20012 نقاط الامتيـــــاز : 99165 تاريخ التسجيـل : 10/04/2009 تاريخ الميلاد : 12/06/1973 الوظيفــــــة : الهوايـــــــة : الجنسيــــــة : الدولـــــــة : المـــــــزاج : جنس العضـو : احترام قوانين المنتدى : رسالة SMS : وسائط MMS : اوسمة الامتياز :
اضافات منتديات جسر المحبة توقيت دول العالم: عداد زوار منتديات جسر المحبة:
| موضوع: قضية الكفاءات بين الاستيراد والتوطين الثلاثاء فبراير 22, 2011 10:29 am | |
| قضية الكفاءات بين الاستيراد والتوطين
خالد بن عبد الرحمن العثمان
قضية الكفاءات قضية القضايا في عالم الأعمال، وبدون القدرات البشرية المتمكنة لا يستطيع أي تاجر أو شركة أو مؤسسة أن تؤدي مهامها بالكفاءة المطلوبة لدعم مسيرة التنمية. والكفاءات مصطلح عام يسري على كل التخصصات والمهن، وبالتأكيد أن كل عمل يحتاج إلى نوعيات معينة من الكفاءات التي تختلف متطلباتها من مجال إلى آخر. وهذه القضية كانت على الدوام مجالا للطرح والنقاش من العديد من كتاب الرأي، كونها قضية وطنية بالدرجة الأولى. وما أطرحه اليوم لا يعدو كونه إسهاما في هذا النقاش، عله يوجه الانتباه إلى جوانب مهمة من هذه القضية. من بداهة القول إن مجالات العمل تتنوع في تخصصات مختلفة، وهذه التخصصات تكون في مجملها ما يسمى سوق العمل الذي يفترض أن يكون الموجه الرئيس لبرامج التعليم الوطنية لتكون رافدا لهذا السوق عبر توفير خريجين ذوي مهارات وقدرات ومعارف تلائم متطلبات سوق العمل. وهذه التخصصات تتراوح بين تخصصات نادرة مثل بعض التخصصات الطبية والتقنية والمعرفية وغيرها، وتخصصات متوافرة وهي التي تغلب عليها التخصصات النظرية. وعند الحديث عن قضية استيراد الكفاءات نجد أن واقع الممارسة يشير إلى غلبة جانب الاستقدام من خارج المملكة، الأمر الذي يخلق انحرافا في التوازن بين القوى العاملة الوطنية والأجنبية. وبطبيعة الحال، فإن الأولوية في أي اقتصاد يجب أن تكون لتوظيف القوى العاملة الوطنية على حساب الأجنبية منها. وفي حال عدم توافر الكفاءات المحلية عندئذ يكون استقدام الكفاءات واستيرادها أمرا مبررا. ولكن الواقع الذي نشهده في المملكة يناقض هذا المبدأ، إذ نجد أن سوق العمل يعج بالوجود الأجنبي الذي يكون استيراده في كثير من الأحيان أمرا غير مبرر. وكثيرا ما نرى عمالة أجنبية تأتي إلى المملكة دون حاجة فعلية، ومنهم الكثيرون الذين يقومون بشراء التأشيرات بهدف القدوم إلى المملكة ومن ثم البحث عن فرص عمل ينافسون فيها المواطن صاحب الأحقية، خاصة أن معدلات أجورهم تقل عن تلك التي يمكن أن يقبل بها المواطن، خاصة في ظل غياب حد أدنى للأجور يرفع من تنافسية المواطن أمام الأجنبي في سوق العمل. الغالب في هذه القضية النزعة إلى إلقاء اللوم على القطاع الخاص في توظيف واستقطاب العمالة الأجنبية، وهناك من يتهم المسؤولين في القطاع الخاص في مواطنتهم وعدم حرصهم على مصالح المواطنين. ومع أن الكثير منهم ليسوا براء من هذه التهمة، إلا أن القوانين والتشريعات التي تسمح بالاستقدام على عواهنه هي المسؤول الأول عن هذه الظاهرة. والمشكلة، أن منظومة الإجراءات التي تتناول مشروعات التنمية لم تأخذ في اعتبارها هذا الجانب. فعلى سبيل المثال، نظام المشتريات الحكومية الذي يضع أقل الأسعار أساسا لترسية المشاريع هو الدافع الأكبر للبحث عن العمالة الأرخص، وهو بالتالي من يفسح المجال للكفاءات الأجنبية للتفوق في هذه المنافسة غير العادلة. كما أن غياب تطبيق حد أدنى للأجور يتسبب بشكل مباشر في إضعاف تنافسية المواطن أمام الأجنبي. وبالتالي، فإن معالجة هذه الظاهرة لا تأتي بفرض حلول السعودة وإلقاء التهم على القطاع الخاص، بل إنها تتطلب معالجة شاملة قصيرة المدى لكافة منظومة التشريعات والأنظمة التي تتعلق بمشروعات التنمية لتحقيق أرضية ملائمة تفسح المجال وتعطي الأولوية للمواطن للانخراط في هذه الأعمال عوضا عن الأجنبي قليل التكلفة. علاوة على معالجة شاملة طويلة المدى تتبنى خطة استراتيجية لتطوير قطاع التعليم والتعليم العالي لتوفير التخصصات والكفاءات التي يحتاج إليها سوق العمل. أحد الجوانب الذي يبدو أنه استعصى حتى على الدراسة هو نظام الكفالة الذي أؤمن جازما بأنه يمثل أحد أهم الأسباب لضعف القدرة التنافسية للكفاءات الوطنية. وهذا النظام في واقع ممارسته الحالية يشكل حماية قصوى للعامل الوافد، ويمكنه من الانتقال السلس دون عناء بين جهات العمل المختلفة، وهو ما يتناقض مع صلب الهدف الأساسي لهذا النظام، وذلك في ظل ما يشهده واقع الممارسة من مكاتب العمل في التعاطي مع ممارسات الوافدين في هذا المجال. وفي الحقيقة، فإن هذا النظام الذي وصم المملكة في الرأي العام العالمي بممارسة الاستعباد الوظيفي لم يحقق الأهداف المرجوة منه، بل إنه انقلب وبالا على واقع العمل، وسبب الكثير من المعاناة لأصحاب العمل والعاملين على حد سواء. وبالرغم من أن هذا الموضوع قد تناوله الكثير من كتاب الرأي بالتحليل والتمحيص والنقد، إلا أنه لم يحظ بعد بالاهتمام الكافي ليكون موضعا لدراسة جادة تنظر في إمكانية مراجعته وتطويره أو حتى إلغائه، على الأقل على سبيل التأسي بما شهدته بعض من دول الخليج في هذا المجال، وهي الدول التي تتشابه مع المملكة في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسكانية. أعود إلى الحديث عن استيراد الكفاءات، وأقول إن استقطاب الكفاءات المتخصصة والنادرة أمر محمود ومفهوم، ولا يمكن بدونه إنجاز العديد من المشروعات النوعية التي تشهدها التنمية الوطنية. إلا أن هذا الاستيراد لا يجب أن يكون الحل الدائم على مر السنين، ولا بد من السعي لسد النقص في هذه المجالات عبر خطط وبرامج واضحة المعالم تسعى إلى توطين الخبرات والتخصصات النادرة، ونقل الخبرات العالمية إلى أبناء الوطن. ومن جانب آخر، فإن ما لا يمكن فهمه بأي حال من الأحوال، هو الاستشراء الواضح لظاهرة استيراد كفاءات في مجالات متدنية، بل أحيانا في مجالات تتعارض مع متطلبات الأمن والاستقرار الوطني. وهناك الكثير من المشاهد التي تدل على هذا الواقع، ولا أتحدث هنا عن العمال الحرفيين الذين يقومون بمهام يترفع عنها المواطنون في العادة، فكلنا يرى بين الفينة والفينة وافدين يقومون بممارسة التسول عند إشارات المرور والمحال التجارية، أو يعرضون خدمات التوصيل في سياراتهم الخاصة في مطارات مدن المملكة. عندما أسمع عن مطلوبين أجانب أتساءل عما إذا كان الإجرام هو من بين المجالات التي يحتاج سوق العمل لاستيراد الكفاءات المتخصصة فيها. هذا الواقع الأليم ما هو إلا نتيجة حتمية للاستيراد المفتوح للعمالة، والذي يشكل أداة لتجار التأشيرات للتربح السريع دون حرص حقيقي على مكتسبات الوطن. والمشكلة، أن هذه الممارسات تتم في العادة من أفراد يملكون النفوذ والسطوة التي تمكنهم من القيام بمثل هذه المخالفات دون حسيب أو رقيب، في الوقت الذي يعاني فيه أصحاب الأعمال الحقيقية الأمرين في الحصول على متطلباتهم الفعلية من تأشيرات العمل لاستيراد الكفاءات اللازمة للقيام بأعمال حقيقية ضمن مشروعات التنمية. خلاصة القول، واقع الاستقدام يتطلب مراجعة حقيقية وشاملة لمعالجة هذه المشاهد التي نراها في حياتنا اليومية، وللتأسيس لتوظيف فعال للكفاءات التي يمكن أن تقدم لقضية التنمية قيمة مضافة حقيقية. وكلنا ينظر بعين الأمل إلى وزارة العمل ووزيرها الجديد لرفع راية هذا التوجه وهذه المعالجة، ليس فقط لدعم مسيرة التنمية، بل لحمايتها من ممارسات ومشاهد لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال.
| |
|