مـع الحـب يـداً بيد
محمود الموسوي
إن الحب ربيع القلب ومخدع النفس ومتنفس الروح، وهو طيف رائع يتسرب إلى أحشاء الإنسان حتى يصل إلى أعماق قلبه. إنه نعمة إلهية عظمى تشعر الإنسان بجوهر نفسه وبالأشياء من حوله.
وهو- في محاولة تعريف- من الغرائز الأساسية التي أودعها الله تعالى في نفس الإنسان ويتمثل في حالة الميل والإنجذاب النفسي للأشياء اللذيذة.. والعزيزة.. والجذابة.. والنافعة.
وإذا أخذنا هاجس هذا الإحساس الكبير يداً بيد لنتطلع إلى تاريخ وتاريخ الأم بصحبته، فإننا سنتلمس الأخبار المستفيضة والإنشغال الواسع به في فلك الحياة الزوجية أو بين الرجل وجنس المرأة في العموم، بل سنشاهد هذا الهاجس ضارب القدم في تاريخ حركة الإنسان.
ولا نكاد نستثني أي حضارة ولا أي تراث من ذلك الإنشغال، وعلى كافة المستويات والفئات البشرية، من الملوك والأمراء والشعراء والفلاسفة وحتى رعاة الغنم والبسطاء، ولا نستطيع في هذا العرض أن نستقصي ذلك التاريخ، لأننا سنحتاج إلى موسوعات كبيرة لتفي بشيء منه، ولكن على سبيل الإلماع لبيان كثافة الإنشغال به في كافة المجتمعات والحضارات.
ومما نجده في الإهتمام بموضوع الحب بين الرجل والمرأة، هو استفاضة النظريات الأسطورية الخرافية واعتبار الكثير من الشعوب الحب همّها الأول، وتمادى آخرون بالإعتقاد بآلهة الحب، حتى إنهم كانوا يعتقدون أن هذه الآلهة تتحكم وتؤثّر في علاقاتهم البشرية، بل وقد يصيب الإله هاجس الغَيرة من جمال فتاة، أو حب شاب لأخرى..
ومن تلك الأساطير، أسطورة (فينوس)، إلهة الحب والجمال عند الرومان، وكان اسمها عند الإغريق (أفرودايت) وكانت ابنة (جوبيتر) و(ديون)، وقد تزوجت الأعرج سَكَّاب الحديد (فولكان). وكان لها عدد كبير لا يحصى من المحبين.. وكانت ترتدي حزام حب خاص، فيه قوة سحر لجذب الحب العاطفي حسب ما يعتقدونه، وكانت تخلعه عندما كانت تعبث مع (مارس)، وكان يقال عن المرأة التي لا يمكن مقاومتها بأنها ترتدي حزام فينوس".
وفي العصور الغابرة كانوا يتفاءلون بأيام خاصة لتكّون الحب، ويهتمون بإجراء بعض الطقوس لإثارة الحب وتعزيزه في أنفسهم.
ففي الصين تهيم الفتاة في الشوارع والأسواق لتصطاد بقلبها فتى أحلامها في فصل الصيف، لأنه وقت الحب حسب بعض معتقداتهم.
وفي أمريكا- قديماً- "يضع الشخص بذرة تفاحة قرب النار، إذا انفلقت وطارت وانفجرت بتأثير حرارة النار فإن ذلك يدلّ على أن الحبيب مخلص، أما إذا احترقت بهدوء فإن الحبيب ليس مخلصا". "وإذا وضع البريطاني وردة تحت وسادته ووضع معها قطعة نقدية من فئة ست بنسات، فإنه سوف يحلم بزوج المستقبل، شريكته في الحياة".
وكذلك في التراث العربي نرى شواهد الحب المتأجج، وقصص الهيام المجنون واضحة جداً, مثل جميل وبثينة، وعنتر وعبلة، وقيس وليلى، وقيس هذا عرف بمجنون محبوبته لشدة حبه لها، وقد امتاز بإنشاد الشعر الكثير فيها ومن شعره:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدار
واحب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
وقوله:
أحبك يا ليلى محبة عاشق
عليه جميع المصعبات تهون
أحبك حباً لو تحبين مثله
أصابك من وجد علي جنون
وقبل عقود أسَّست بعض المؤسسات التي تحمل على عاتقها تكوين العلاقات بين الأفراد الذين يريدون الحب والزواج مثل مؤسسة (ديت لاين) التي تأسست في بريطانيا عام 1966م، "وتدّعي هذه المؤسسة بأنها أكبر وكالة في العالم للتعارف عن طريق الكمبيوتر، وقد بلغ عدد أعضاء هذه المؤسسة (35000) عضو وهم يزدادون بمعدل (3000) زبون جديد كل شهر، تستخدم المؤسسة أجهزة كمبيوتر منزلية لإجراء التعارف والخطوبة المناسبة بين الشباب والشابات وذلك بهدف الحصول على علاقات طويلة الأمد والتي يؤدّي الكثير منها إلى الزواج".
وقد تكاثرت مثل هذه المؤسسات في بريطانيا بهدف رعاية الحب والزواج حسب المعتقدات المختلفة، كالمسلمين والبوذيين والهندوس والمسيحيين، كذلك دول الإتحاد السوفيتي السابق، وفي اليابان يعرض التلفزيون البرامج للإعلان عن فرص الزواج وتكوين العلاقات الوديّة.
وأما المظاهر في وقتنا الراهن فحدّث ولا حرج، فقد تكاثرت الروايات التي أخذت من مادة الحب محوراً لها، والقطاع التلفزيوني والسينمائي من أبرز المهتمّين، حيث لا يكاد يخلو أي إنتاج من قصّة حب حميمية بين فتاة فاتنة وشاب وسيم.
وكذلك في الكثير من المجلات والصحف، تجد الأدباء يبوحون بمكنونات قلوبهم من العشق والهيام على صفحاتها.. كما أن، اهتمامات الشباب بالحب قد أصبحت شيئاً ملحوظاً. فقد أجرت إحدى المجلات، والتي من خلالها يبث القارئ شكواه للمتخصّصين ليقوم هؤلاء بإيجاد الحلول لها، فأكّد جميعهم على متابعتهم بشكل دائم لها، وأرجعوا الأسباب إلى أن مادة الحب من أصعب وأكثر المشكلات التي تقع على الإنسان، والبحث عن حلولها ضرورة حياتية.
أضف إلى ذلك ماتلعبه ومضات الإنترنت من دور في هذا المجال، حيث بلغ الأمر إلى أن تعرض الفتاة نفسها بوصف دقيق لمفاتنها وعاداتها وهواياتها، بل وتنشر صورتها على صفحات التعارف وبرامج المحادثات الصوتية والمتحركة، لتحظى بفتى أحلامها المحب ولو كان في أصقاع الأرض، وكذلك يفعل الشاب.
المصدر: كتاب الحب في العلاقات الزوجية