هنالك مرحلة انتقالية ما بين الحياة الدنيا وبين المعاد يوم القيامة هذه المرحلة هي التي تسمى بعالم البرزخ، والبرزخ لغة هو الحد الفاصل بين أمرين وهنا بين الحياة الدنيوية الزائلة وبين الحياة الأخروية الخالدة. قال تعالى: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ آرْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).[سورة المؤمنون: الآيتان 99-100]. وفي تفسير علي بن إبراهيم، البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو قول الإمام الصادق(عليه السلام): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فإذن يمر الإنسان بهذه المرحلة بعد الموت أي بعد دفنه بالقبر فالقبر أول منازل الحياة الأخرى كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده ليس أقل منه) وقال الإمام علي(عليه السلام) (يا ذوي الحيل والآراء والفقه والأبناء اذكروا مصارع الآباء فكأنكم بالنفوس قد سلبت والأبدان قد عريت وبالمواريث قد قسّمت فتصير يا ذا الدّلال والهيبة والجمال إلى منزلة شعثاء ومحلة غبراء فتُنوَّم على خدك في لحدك... حتى تشق عن القبور وتبعث إلى النشور[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. فإذن هذه المرحلة من المراحل الطبيعية التي يمر بها الإنسان كما مر من قبل بمرحلة الأصلاب والأرحام ثم مرحلة الدنيا... وبعد الموت تكون أرواح المؤمنين في نعيم وسرور على عكس أرواح الكافرين والمنافقين فإنها تعيش في حياة ملؤها الكآبة والعذاب. قال الإمام الصادق(عليه السلام): (البرزخ قبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة) وفي حديث آخر: (والله أتخوف عليكم من البرزخ قلت ما البرزخ؟ فقال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة) وفي الحديث النبوي(النوم أخو الموت كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون) وقال الله سبحانه: (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها). وروي في (الكافي) بإسناده عن الكاظم(عليه السلام) أنه قال في قصة لمنكري المعاد في الأمم الماضية: (فأحدث الله فيهما الأحلام ولم يكن قبل ذلك فأتوا نبيهم فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال الإمام: إن الله تعالى أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى يبعث الله الأبدان).. وفي رواية عن الصادق(عليه السلام): (فإذا قبضه الله صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وقال الإمام المهدي(عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ..) (هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا والله إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. أما الأبدان فيقول عنها أمير المؤمنين(عليه السلام): (سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً، سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت لحومهم..). وسئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الميت يبلى جسده قال: (نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة). وقال سبحانه: (ألَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).[سورة القيامة: الآية 40]. فمن هذه الروايات الشريفة نتبين أن البرزخ عالم خاص له مقاييسه المعينة تحدد منزلة الإنسان على ضوء أعماله في الدنيا فهي مقدمة ليوم الحساب الأكبر فإما أن يتحول القبر إلى روضة ونعيم مؤقت وإما إلى عذاب وجحيم مؤقت كل ذلك يعتبر المنزل الأول والمرحلة الأولى من مراحل الآخرة حيث الحساب الأكبر. قال تبارك وتعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).[سورة آل عمران: الآية 169]. وفي الخبر... (فإذا قبضه الله عز وجل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا) ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ وعنه أيضاً ـ (أرواح المؤمنين في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويتزاورون فيها ويقولون: ربنا أقم لنا الساعة لتنجز ما وعدتنا...). وعن الإمام علي(عليه السلام) (يا بن نباتة لو كشف لكم لرأيتم أرواح المؤمنين في الظهر (النجف) حلقاً يتزاورون ويتحدثون إن في هذا الظهر روح كل مؤمن وبوادي برهوت نسمة كل كافر ووادي برهوت مكان يعرف به تجمع الكافرين ولأرواح الكفار عذاب خاص) وأمامي مجموعة كبيرة من الأحاديث والروايات في هذا الصدد. مثلا عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إن أرواح الكفار في نار جهنم يعرضون عليها يقولون ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلق آخرنا بأولنا.. وعن النبي(صلى الله عليه وآله) وقد وقف على قتلى بدر: (يا أبا جهل ! يا عتبة ! يا شيبة ! يا أمية! هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقّاً؟) فقال عمر: يا رسول الله أما تكلم من أجساد لا أرواح فيها؟ فقال: (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون جواباً)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وللإمام علي(عليه السلام) قول هنا: ( يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته.. وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوّه، عذاب القبر)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. هكذا تكون حالة الأرواح في عالم البرزخ وتتحدد السعادة أو الشقاء على ضوء ما يقدم الإنسان في حياته الدنيوية من أعمال صالحة وطاعة لله سبحانه فعند انتزاع روحه تبدأ حياته الجديدة فتنفصل الروح عن البدن ويترك البدن في القبر بعد أداء المراسيم الشرعية في الدفن.. أما الأرواح فهي التي تعيش الحالة المحددة لها على ضوء صحيفة أعمال الدنيا ومن مرحلة الانتزاع يستطيع المؤمن أن يعرف مصيره الذي ينتظره يسأل أحد الأصحاب الإمام الصادق(عليه السلام): يا بن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت: يا ولي الله لا تجزع فوالذي بعث محمداً(صلى الله عليه وآله) لأنا أبر بك واشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينك فانظر قال ويمثل له رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فيقول له: هذا رسول الله وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة رفقاؤك قال: فيفتح عينه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: (يا أيتها النفس المطمئنة (إلى محمد وأهل بيته) ارجعي إلى ربك راضية (بالولاية) مرضية (بالثواب) فادخلي في عبادي (يعني محمد وأهل بيته) وادخلي جنتي) فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي على عكس الكافر والمنافق والمنحرف فإنه يصرخ بالبكاء والعويل ويريد البقاء في الدنيا لأن الدنيا جنة الكافر قياساً بالعذاب المنتظر له والدنيا سجن المؤمن قياساً بالنعيم الذي ينتظره. |